مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون
[مثلهم] صفتهم في نفاقهم [كمثل الذي استوقد] أوقد [ناراً] في ظلمة [فلما أضاءت] أنارت [ما حوله] فأبصر واستدفأ وأمن ممن يخافه [ذهب الله بنورهم] أطفأه ، وجُمع الضمير مراعاة لمعنى الذي [وتركهم في ظلمات لا يبصرون] ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء أمنوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب
صم بكم عمي فهم لا يرجعون
هم [صمٌّ] عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول [بكمٌ] خرسٌ عن الخير فلا يقولونه [عُمْيٌ] عن طريق الهدى فلا يرونه [فهم لا يرجعون] عن الضلالة
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين
[أو] مثلهم [كصيِّب] أي كأصحاب مطر ، وأصله صيوب من صاب يصوب أي ينزل [من السماء] السحاب [فيه] أي السحاب [ظلمات] متكاثفة [ورعد] هو الملك الموكل به وقيل صوته [وبرق] لمعان صوته الذي يزجره به [يجعلون] أي أصحاب الصيب [أصابعهم] أي أناملها [في آذانهم من] أجل [الصواعق] شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها [حذر] خوف [الموت] من سماعها ، كذلك هؤلاء إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج والبينة المشبهة بالبرق ، يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت [والله محيط بالكافرين] علما وقدرة فلا يفوتونه
يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير
[يكاد] يقرب [البرق يخطف أبصارهم] يأخذها بسرعة [كلما أضاء لهم مشوا فيه] أي في ضوئه [وإذا أظلم عليهم قاموا] وقفوا ، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون [ولو شاء الله لذهب بسمعهم] بمعنى أسماعهم [وأبصارهم] الظاهرة كما ذهب بالباطنة [إن الله على كل شيء] شاءه [قدير] ومثله إذهاب ما ذكر
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون
[يا أيها الناس] أي أهل مكة [اعبدوا] وحدوا [ربكم الذي خلقكم] أنشأكم ولم تكونوا شيئا [و] خلق [الذين من قبلكم لعلكم تتقون] بعبادته عقابا ، ولعل في الأصل للترجي ، وفي كلامه تعالى للتحقيق
الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون
[الذي جعل] خلق [لكم الأرض فراشا] حال بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها [والسماء بناء] سقفا [وأنزل من السماء ماء فأخرج به من] أنواع [الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداداً] شركاء في العبادة [وأنتم تعلمون] أنه الخالق ولا تخلقون ، ولا يكون إلها إلا من يخلق
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين
[وإن كنتم في ريب] شك [مما نزَّلنا على عبدنا] محمد من القرآن أنه من عند الله [فأتوا بسورة من مثله] أي المنزل ومن للبيان أي هي مثله في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب . والسورة قطعة لها أول وآخر أقلها ثلاث آيات [وادعوا شهداءكم] آلهتكم التي تعبدونها [من دون الله] أي غيره لتعينكم [إن كنتم صادقين] في أن محمدا قاله من عند نفسه فافعلوا ذلك فإنكم عربيون فصحاءَ مثله
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين
ولما عجزوا عن ذلك قال تعالى [فإن لم تفعلوا] ما ذُكر لعجزكم [ولن تفعلوا] ذلك أبداً لظهور إعجازه اعتراض [فاتقوا] بالإيمان بالله وأنه ليس من كلام البشر [النار التي وقودها الناس] الكفار [والحجارة] كأصنامهم منها ، يعني مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر ، لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه [أعدت] هُيِّئت [للكافرين] يعذبون بها ، جملة مستأنفة أو حال لازمة
|